8 – يونيو – 2023

تزداد هجمات الجيش الأوكراني على الداخل الروسي مظهرة هشاشة هذا الأخير، خصوصا إنهاكه في حرب لم يكن يظنها ستطول. بالمقابل تزداد عدة وعتاد الجيش الأوكراني والذي يتمتع بصفة أساسية لا يملكها الطرف الآخر وهي الدفاع عن أرضه وسيادته.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أدخل بلاده في دوامة لا يمكن أن تنتهي إلا بالهزيمة، فهو لا يملك مقومات حرب طويلة ماديا ولا أخلاقيا، ولم يتمكن رغم جعجعاته الكلامية، حشد دول داعمة كما فعلت أوكرانيا.
الصين أو البرازيل أو باقي دول البريكس لا تقدم له إلا ما يفيدها ولم تشكل أي قطب جديد يهدد حلف شمال الأطلسي ولا تبحث أصلا عن ذلك.
الدرب الانتحاري
سترينا الأيام والأسابيع المقبلة أن لا أحد يقبل السير في درب بوتين الانتحاري. أول عاصمة زارها لولا الرئيس البرازيلي الجديد كانت لواشنطن بينما رفض قبول دعوة بوتين له زيارة موسكو، وهو ما لا ينتظره عادة الحلفاء الأوفياء من بعضهم البعض.
كثير من المراقبين يتوقعون هزيمة روسيا وخروج بوتين من المشهد وقليل يتوقعون عكس ذلك، لكن لا أحد تقريبا يتطرق إلا ما هو برأيي السيناريو الآخر، وهو الوصول إلى وضع شبيه بوضع العراق بعد الحرب. كما فعل صدام حسين بحربه مع إيران، فقد أدخل بوتين روسيا في أتون حرب خسر فيها مئات آلاف القتلى، ستنتهي بانسحابه من الأراضي التي احتلها.
من يظن أن دول الناتو مهتمة بتغيير الحكم في موسكو هو واهم، وما عليه إلا مراجعة تبعات هزيمة صدام عام 1991 أي بقائه في السلطة لعشر سنوات إضافية، دُمِّر بها كل ما يشبه العيش الإنساني الكريم رغم ثروات العراق النفطية، وتركت البلاد تواجه مصيرها لوحدها.
لم يكن لذلك أن يزول إلا بإرادة العراقيين أنفسهم والذين أصبحوا بالإضافة للفقر ضحية قمع وحشي. ووُجِّهت حراب جيش صدام إلى شعبه ليبقى في السلطة متمكنا من إجهاض جميع المحاولات للتخلص منه.
لم تفعل أمريكا شيئا لإنقاذ هؤلاء الضحايا وهي التي كانت تَدَّعِي عداءها لصدام حسين.
محاولة للتمرد
روسيا قد تواجه بعد نهاية الحرب السيناريو نفسه، أي تحويل سلاح الجيش الروسي للداخل لمنع أي محاولة للتمرد على بوتين ونظامه، حتى ولو حصل تغيير في شكل هرم السلطة، في محاولة للخروج من المأزق داخليا وخارجيا، والحافظ على سلطة لا تحمل من الديمقراطية إلا اسمها.
التركيبة العرقية والدينية العراقية أفشلت لحد الآن كل المحاولات لبناء كيان ديمقراطي حقيقي حتى بعد سقوط صدام، وتركت العراق بأيدي الميليشيات من كل حدب وصوب.
النزعات القومية والدينية نفسها نجدها في روسيا، وحرب الشيشان ليست بعيدة عن الأذهان، وكما حدث مع العراق، فلن تخرج روسيا فقط من الحرب باقتصاد منهك وفقدان خيرة أبنائها بين قتيل وجريح وهرب مئات آلاف الكوادر والنخب، العقول المفكرة التي فضلت الهجرة، بل سيفرض عليها تعويض كل ما سببت من دمار وكل ما أوقعت من ضحايا، مع الاستمرار بالحصار الاقتصادي الغربي حتى تحقيق ذلك. بدأت أوكرانيا بذكاء وحنكة، تحضير هذا الملف بالإضافة لملف الدعاوى القضائية.
سكوت الشعب الروسي وتغاضيه عما يُفعَل باسمه لا يبشر بخير لمستقبل روسيا. فلن يفعل له أحد من دول العالم شيئا إن لم يبادر هو بنفسه لتغيير أوضاعه وإعلان رفضه لتلك الحرب التي لا تعنيه في شيء.
حرب فيتنام
لم تنته حرب فيتنام إلا بعد أن أظهر الشعب الأمريكي رفضه العارم لها. حتى حرب روسيا في أفغانستان انتهت أيضا بعد تحرك أمهات القتلى الروس. للأسف لا أظن الشعب الروسي واعيا بما ينتظره ولا يملك طلائع قيادية قادرة على فعل شيء مؤثر.
نحن العرب كنا وما زلنا من ضحايا السياسات الروسية وبتواطؤ من دول الغرب. منذ البدء سلح الاتحاد السوفييتي إسرائيل قبل أمريكا معتقدا أنها ستكون واحة للاشتراكية، بعد ذلك أرسلت روسيا ملايين المهاجريين لإسرائيل، والآن دمرت دولة عربية وشردت أهلها.
نحن أيضا ضحايا الطغيان الروسي، وعلينا أن ندافع عن أنفسنا في سوريا وليبيا والسودان حيث تتواجد القوات الروسية أو مرتزقة فاغنر كانت هناك حرب في أوكرانيا أو لم تكن.
معاناة الشعب الأوكراني
مواقفنا هي أولا نتيجة معاناة شعوبنا قبل معاناة الشعب الأوكراني والذي أظهر لنا ببسالته وعزة نفسه وصبره الطريق الذي علينا أخذه، بدل قضاء الوقت بلعن الاستعمار وأبنائنا يذهبون لدوله حتى ولو كلفهم ذلك حياتهم.
مواقفنا من أحداث العالم يجب أن تبنى على فهمنا العميق لمصالحنا كشعوب وليس على من مع أو ضد أمريكا. علينا أن نقيس الأمور من منظار من نحن وماذا نريد قبل كل شيء.
تحجيم الدور الروسي سيكون له مردود إيجابي على دول وشعوب المنطقة، يكفي أن يتخلص الشعب السوري من همجية الروس وأتباعهم وأن يتمكنوا من العودة لديارهم. لم نتخلص من الاستعمار الغربي لنقبل بذلك الآتي من موسكو، وليكن في تلك الحرب حتى ولو كانت بعيدة عنا عبرة لمن يعتبر.
كاتب فلسطيني