الخيار السليم في زمن الخيارات الصعبة

الخيار السليم في زمن الخيارات الصعبة

نزار بدران

يقول إينشتاين، أنه من الأسهل تفجير نواة الذرة من تغيير أحكام مُسبقة عند البعض، هذه الأفكار المُسبقة، هي التي تُحضر لاعتبار الآخر، غريباً عجيباً، يجب التخلص منه، مثال ذلك، العُنصرية المُتفشية في كثير من الدول، والتي تعتبر الأفارقة مثلاً، أقل ذكاءً ومقدرة، حتى ولو وصل باراك أوباما، الإفريقي الأصل، لرئاسة أكبر دولة بالعالم مرتين. فهذا حكم لن يتغير عند هؤلاء، ذوي الأفكار المُسبقة.

في بلادنا تُعتبر المرأة، أقل مقدرة على إدارة الشأن العام، أو تسلم الوزارات والمهام الاستراتيجية، حتى ولو رأينا ما تقوم به أنجيلا ميركل، وما أوصلت إليه ألمانيا، من تقدم اقتصادي وحضاري مذهل، تجاوز كل الدول الأوروبية الأخرى، التي يحكمها رجال. في بلادنا هذا المثل، كما يقول أينشتاين، لن يُقنع أصحاب الأفكار المُسبقة عن المرأة، بتغيير رأيهم، ولا ألف غيره.

الأفكار المُسبقة، وما يردفها من اعتقادات بالحقائق المُطلقة، إذا استشرت في شعب أو أمة، فهي ستؤدي بدون أدنى شك إلى التخلف، والخروج من عالم التحضر، ومن عالمنا كله، هذا العالم الذي يبني نفسه على مفهوم البحث والعلم والمعرفة والتجربة، وليس على حقائق مُطلقة وأفكارٍ موروثةٍ من الآباء وآباء الآباء والأجداد.

تطوير الفكر والذات، بحاجة إذن، إلى التخلص مما ترسب من أفكار وأحكام مسبقة، على الأشياء والأفعال والناس. وكي يتم ذلك، لا توجد إلا وسيلة واحدة، وهي العلم واكتسابه، والاطلاع على ما يقول ويفعل الآخرون، وانفتاح الذهن على كل شيء جديد، وعدم الانغلاق وراء أبواب العادات والتقاليد المُغلقة، منذ قرون.

من ناحية أخرى، يقع كثير من الناس في فخ الاضطرار للاختيار بين المتضادات، وهو ما نلاحظه بشكل مستمر، هذه الأيام بالصحافة والإعلام. فالخلاف بين إيران والسعودية، أو النظام السوري وأطراف المعارضة بالثورة السورية، يدفع البعض بناءً على أحكامه المُسبقة، ضد هذا الطرف أو ذاك، فنحن مع إيران لأسباب مذهبية، أو مع السعودية إن كنا ضد السياسة الإيرانية وطائفية حكامها، فيجد الإنسان نفسه، إما مُدافعاً عن الحكم السعودي أو آيات الله الإيرانيين، مُتناسياً حقه بل واجبه، بأن يكون له موقف مستقل، للاختيار بين الأضداد. هذا ما حدث في القرن الماضي، عندما وقفت دول أوروبا الغربية في وجه النازية، فذلك لم يعن إرتماءها في أحضان الشيوعية، بل استمرت في خياراتها المستقلة وسيلة للحكم الأمثل، بانتهاجها الخيار الديمقراطي.

لنا الحق أن نختار خياراً ثالثاً، بين الاستبداد بالسلطة أو التطرف الديني، انحيازا لخيار الديمقراطية ودولة المواطنة، التي صدحت بها حناجر المتظاهرين بالملايين، في ساحة التحرير وشوارع وعواصم العرب.

الوقوف مع النظام السوري، بحُجة أن بعض أطراف المعارضة السورية، متهمة بالتعاون مع المجموعات المتطرفة الدينية، أو السكوت عن إسرائيل وامريكا، أو اندفاعها نحو العمل المُسلح، بديلا للاحتجاج السلمي، كل هذا، لا يجب أن يدفعنا إلى دعم ديكتاتورية النظام السوري والعمل لإبقائه، الحل هو الخيار الذي حمله أطفال درعا ومئات آلاف المتظاهرين في بداية الثورة، وتغنى بها إبراهيم القاشوش (سوريا بدا حرية)، والداعي للديمقراطية والدولة التعددية، والرافضة للتطرف الديني، والمنتمية للأمة العربية.

الهدف أن نستنير بآراء الآخرين وتجارب الشعوب، والعودة لتاريخنا وتاريخ غيرنا (فالمسلمون لم يختاروا بين الفرس والروم)، حتى نستطيع أن نفكر بأنفسنا ولأنفسنا، وكي لا نقع ضحية الاختيار الاضطراري، بين السيئ والأكثر سوءاً.

كمثال يوضح ذلك ويتفق عليه كل الناس، هو التناقض بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، رفضنا لسياسة التنسيق الأمني، والتعامل من طرف السلطة مع إسرائيل، أو رفضنا لسياسة حماس بقطاع غزة، من طرف الكثيرين، لم يدفعهم لدعم إسرائيل، والوقوف ضد الشعب الفلسطيني. لذلك فرفض البعض، لأطراف بالمعارضة السورية، أساءت للثورة من خلال مواقف دينية متطرفة، قادمة من العصور الوسطى، لا يجب أن يدفع باتجاه رفض مطالب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية، وحقه بالثورة على الظلم، بل على العكس، يجب العمل لدعم الأطراف التي تقف مع الديمقراطية والتعددية، حتى لو كانت أقلية. فالوقوف مع الحق هو الأصل، حتى ولو كان هذا الحق ضعيفاً، ليس له سند من الدول الكبرى، أو دول المنطقة المؤثرة.

نحن نستطيع إذاً، أن نكون مع الشعب السوري بثورته ضد الظلم، وبنفس الوقت ضد القوى الدافعة لتأسيس نظام ديني متعصب أو ما يسمى 2″دولة الخلافة”. إن لم نفعل ذلك، فماذا سنقول للأطفال الجوعى بمضايا وغيرها، ولملايين المُهجرين والغارقين بالبحر؟.

من واجبنا إذن، أن نفكر دائماً، قبل الانصياع للمعادلات التي تُفرض علينا؛ النظام المُجرم أو المعارضة المُتخلفة؛ إيران آيات الله أو الحكم السعودي، وهذا ما نفعله تلقائياً، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية او حماس، حيث لا أحد يختار إسرائيل، وينسى عذابات الشعب الفلسطيني ولاجئيه.

لا يمكن للكوليرا أو الطاعون، أن يكون خياراً مقبولاً من أي عاقل، بل الصحة والعافية فقط، هي الهدف، مهما كانت الكوليرا فتاكة وسريعة الانتشار، ومهما كان الطاعون رهيباً، ترتجف من خوفه الأبدان، ومهما تكن استعادة الصحة والعافية، صعبةً ومُكلفةً في كثير من الأحيان.

الخيار السليم في زمن الخيارات الصعبة DOWNLOAD LINK

رأي واحد حول “الخيار السليم في زمن الخيارات الصعبة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s